کد مطلب:109721 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:312

خطبه 003-شقشقیه











ومن خطبة له علیه السلام

وَ هِیَ الْمَعْرُوفَةُ بِالشِّقْشِقِیَّة

وتشتمل علی الشكوی من أمر الخلافة ثم ترجیح صبره عنها ثم مبایعة الناس له

أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَیَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّیَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، یَنْحَدِرُ عَنِّی السَّیْلُ، وَلا یَرْقَی إِلَیَّ الطَّیْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَیْتُ عَنْهَا كَشْحاً. وَطَفِقْتُ أَرْتَئِی بَیْنَ أَنْ أَصُولَ بِیَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْیَةٍ عَمْیَاءَ، یَهْرَمُ فیهَا الكَبیرُ، وَیَشِیبُ فِیهَا الصَّغِیرُ، وَیَكْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّی یَلْقَی رَبَّهُ!

ترجیح الصبر

فَرَأَیْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَی هَاتَا أَحْجَی، فَصَبَرتُ وَفی الْعَیْنِ قَذًی، وَفی الحَلْقِ شَجاً، أَرَی تُرَاثی نَهْباً، حَتَّی مَضَی الْأَوَّلُ لِسَبِیلِهِ، فَأَدْلَی بِهَا إِلَی فُلانٍ بَعْدَهُ. ثم تمثل بقول الاعشی:

شَتَّانَ مَا یَوْمِی عَلَی كُورِهَا وَیَوْمُ حَیَّانَ أَخِی جَابِرِ فَیَا عَجَباً!! بَیْنَا هُوَ یَسْتَقِیلُها فِی حَیَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لَآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَیْهَا ! ـ فَصَیَّرَهَا فی حَوْزَةٍ خَشْنَاءََ، یَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَیَخْشُنُ مَسُّهَا، وَیَكْثُرُ العِثَارُ فِیهَا وَالْاِعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِیَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ، وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَی طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ، حَتَّی إِذا مَضَی لِسَبِیلِهِ جَعَلَهَا فِی جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّی أَحَدُهُمْ, فَیَا لَلََّهِ وَلِلشُّورَی ! مَتَی اعْتَرَضَ الرَّیْبُ فِیَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّی صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَی هَذِهِ النَّظَائِرِ ! لكِنِّی أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ، وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرهِ، مَعَ هَنٍ وَهَنٍ. إِلَی أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَیْهِ بَیْنَ نَثِیلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِیهِ یَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الْإِبِل نِبْتَةَ الرَّبِیعِ، إِلَی أَنِ انْتَكَثَ عَلَیْهِ فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَ عَلَیْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ.

مبایعة علی

فَمَا رَاعَنِی إِلاَّ وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَیَّ, یَنْثَالُونَ عَلَیَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّی لَقَدْ وُطِیءَ الْحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَایَ، مُجْتَمِعِینَ حَوْلِی كَرَبِیضَةِ الغَنَمِ. فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَی، وَقَسَطَ آخَرُونَ: كَأَنَّهُمْ لَمْ یَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ یَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لاَ یُریدُونَ عُلُوّاً فی الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ)، بَلَی! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِیَتَ الدُّنْیَا فی أَعْیُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا ! أَمَا وَالَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِیَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَی العُلَمَاءِ أَلاَّ یُقَارُّوا عَلَی كِظَّةِ ظَالِمٍ، وَلا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَیْتُ حَبْلَهَا عَلَی غَارِبِهَا، وَلَسَقَیْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلَأَلْفَیْتُمْ دُنْیَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِی مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ ! قالوا: وقام إِلیه رجل من أَهل السواد عند بلوغه إلی هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً [قیل: إِن فیه مسائل كان یرید الإِجابة عنها], فأَقبل ینظر فیه، [فلمّا فرغ من قراءته] قال له ابن عباس: یا أمیرالمؤمنین، لو اطَّرَدَتْ خُطْبَطُكَ من حیث أَفضیتَ ! فَقَالَ: هَیْهَاتَ یَابْنَ عَبَّاسٍ! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ ! قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت علی كلام قطّ كأَسفی علی هذه الكلام أَلاَّ یكون أَمیرالمؤمنین علیه السلام بلغ منه حیث أراد. قال الشریف الرضی رضی اللّه عنه: قوله علیه السلام فی هذه الخطبة: «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم» یرید: أنه إذا شدد علیها فی جذب الزمام وهی تنازعه رأسها خرم أنفها، وإن أرخی لها شیئاً مع صعوبتها تقحمت به فلم یملكها، یقال: أشنق الناقة: إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه، وشنقها أیضاً: ذكر ذلك ابن السكیت فی «إصلاح المنطق». وإنما قال: «أشنق لها» ولم یقل: «أشنقها»، لانه جعله فی مقابلة قوله: «أسلس لها»، فكأنه علیه السلام قال: إن رفع لها رأسها بمعنی أمسكه علیها بالزمام.